زكاة الفطر واجبة على كل مسلم تلزمه مؤنة نفسه إذا فضل عنده عن قوته وقوت عياله يوم العيد وليلته ومقدارها صاع. ويجزئ في زكاة الفطر صاع من قوت البلد مثل الأرز ونحوه موضوعنا عن زكاة الفطر بين القيمة والإطعام عند المذاهب الأربعة
وذكر بعض أهل العلم أن زكاة الفطر تطهير وتنقية للصائم مما اقترفه في صيامه من اللغو: وهو الكلام الباطل الذي لا فائدة فيه، أو الرفث: وهو ما قبح وساء من الكلام.
قال وكيع بن الجراح: زكاة الفطر لشهر رمضان كسجدة السهو للصلاة، تجبر نقصان الصوم كما يجبر السجود نقصان الصلاة، و وقد روي في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: (أغنوهم ن الطواف هذا اليوم) رواه الحاكم والدارقطني وغيرهما[2].
عناصر الموضوع
حكم زكاة الفطر وهي على قولين
زكاة الفطر واجبة على كل مسلم عند جمهور العلماء من الشافعية والحنابلة والحنفية وعلى المشهور عند المالكية أخذوا بهذا الحديث، وفسّروا قوله: “فرض” بمعنى أوجب.
القول الآخر على أنها سنة، وهو قول عند المالكية، وقال به الأشهب بن علية والأصم، وقال الخرشي في شرح مختصر خليل: “لا يقاتل أهل بلد على منع زكاة الفطر… لأنه قيل القول بسنيته”، وفسروا “فرضها” أن معناها قدرها ووقتها؛ لأن الفرض يكون بمعنى التقدير والتوقيت، قال الله عز وجل: ﴿ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ ﴾ [التحريم:؛ أي: قدَّرها، وقال به بعض الظاهرية، وابن اللبان الشافعي.
شرائط وجوب زكاة الفطر: ويشترط لوجوب أدائها شرطان:
أولا: الإسلام:وهذا الشرط محل اتفاق بين العلماء، إلا ما روي عن الشافعية أنه يجب على الكافر أداء زكاة الفِطر عن أقاربه المسلمين.
ثانيا: أن يكون قادرا على إخراج زكاة الفطر، وهذا الشّرط محل اتفاق بين أهل العلم في أنه لا بد من توافر القدرة فيمن يجب عليه إخراج زَكاة الفِطر؛ لأنَّ غير القادر مرفوع عنه الحرَج بمثل قوله تعالى: ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ﴾ لكنهم اختلفوا في معنى هذه القُدرة:
- ذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى أنها تجب على من عنده فضل عن قوته وقوت من في نفقته ليلة العيد ويومه، ويشترط كونه فاضلا عن مسكن وخادم يحتاج إليه.
- وذهب الحنفية إلى أن معنى القدرة على إخراج صدقة الفِطر أن يكون مالكا للنصاب الذي تجب فيه الزكاة من أي مال كان، سواء كان مِن الذهب أو الفضة، أو السوائم من الإبل والبقر والغنم، أو من عروض التجارة
من تجب عليهم زكاة الفطر:
1- الحنفية
ذهب الحنفية إلى القول: إنه يجب على الرجل إذا كان غنيا أن يؤديها عن نفسه، وعن كل من له ولاية عليه؛ وهم ابنه الصغير وبنته الصغيرة وابنه الكبير إذا كان مجنونا؛ لأن هؤلاء جميعا له حق التصرف في أموالهم بما يعود عليهم بالنفع بدون إذنهم، هذا في حالة كونهم فقراء، أما في حالة كونهم أغنياء فإنه يخرجها من أموالهم.
ولا يرى الحنفية أن يخرجها الأب عن بنيه الكبار ووالديه وأقاربه وزوجته، سواء كانوا أغنياء أو فقراء؛ لأنه وإن كانت تلزمه نفقتهم إذا كانوا فقراء، فإن ولايته عليهم قاصرة؛ بدليل أنه لا يجوز له التصرف في أموالهم إذا كان لهم مال إلَّا بإذنهم.
ما زال موضوعنا مستمرا : زكاة الفطر بين القيمة والإطعام عند المذاهب الأربعة
2- المالكية والشافعية والحنابلة
وذهب المالكية إلى أن الرجل يؤديها عن نفسه وعن من تجب عليه نفقته؛ وهم الوالدان الفقيران، وأولاده الفقراء ذكورا أو إناثا، والزوجة وإن كانت ذات مال، وكذلك زوجة والده الفقير، وقد استدلوا على هذا بما رواه الدارقطني عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه قال: “أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدقة الفطر عن الصغير والكبير، والحر والعبد ممن تمونون”؛ أي: تُنفقون عليهم، ويستنتج مِن ذلك أن المالكية لا يرون أن يؤدي المرء زكاة الفطر عن أولاده الأغنياء، سواء كانوا صغارا أو كبارا، ولا عن والديه الغنيين كذلك.
ويتفق الشافعية والحنابلة مع المالكية في أن المرء يؤدي الزكاة عن نفسه وعن كل من تجب عليه نفقته شرعا، مع اختلاف يسير في التفاصيل؛ فقد قال الشافعية: إن الرجل يؤديها عن نفسه، وعن من تجب عليه نفقته من المسلمين لقرابة أو زوجية أو ملك، فيؤديها عن أصوله وإن علوا؛ كجده وجدته، وفروعه وإن نزلوا ذكورا أو إناثا إذا كانوا فقراء، كما يؤديها عن زوجته، وكذلك مطلقته طلاقا غير بائن، ولا تلزمه زكاة البائن إلا إذا كانت حاملا؛ لقوله تعالى: ﴿ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ﴾ .
ويؤديها أيضا عن خادمه إذا كانت نفقته غير مقدرة، أما إذا كانت مقدرة باليوم أو الشهر أو السنة فلا يخرجها عنه؛ لأنه كالأجير لا تجب عليه نفقته
بين القيمة والإطعام عند المذاهب الأربعة
1- جمهور الفقهاء المالكية والشافعية والحنابلة يرون وجوب إخراج الأعيان في صدقة الفطر كالتمر والشعير والزبيب أو من غالب قوت الناس ولا يجيزون إخراج القيمة أي إخراج النقود.
2- ومذهب الحنفية جواز إخراج القيمة ونقل هذا القول عن جماعة من أهل العلم منهم الحسن البصري وعمر بن عبد العزيز والثوري ونقل عن جماعة من الصحابة أيضا وهذا هو القول الراجح إن شاء الله لما يلي:
أولا:
إن الأصل في الصدقة المال لقوله تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً). والمال في الأصل ما يملك من الذهب والفضة وأطلق على ما يقتنى من الأعيان مجازا وبيان رسول الله صلى الله عليه وسلم المنصوص عليه إنما هو للتيسير ورفع الحرج لا لتقييد الواجب وحصر المقصود.
ثانيا:
إن أخذ القيمة في الزكاة ثابت عن الرسول صلى الله عليه وسلم وعن جماعة من الصحابة فمن ذلك ما ورد عن طاووس قال معاذ باليمن: ائتوني بعرض ثياب آخذه منكم مكان الذرة والشعير فإنه أهون عليكم وخير للمهاجرين بالمدينة. رواه يحيى بن آدم في كتاب الخراج.
وقد عنون الإمام البخاري في صحيحه فقال: باب العرض في الزكاة وذكر الأثر عن معاذ ونصه (وقال طاووس: قال معاذ رضي الله عنه لأهل اليمن ائتوني بعرض ثياب خميص أو لبيس في الصدقة مكان الشعير والذرة أهون عليكم وخير لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة) واحتجاج البخاري بهذا يدل على قوة الخبر عنده كما قال الحافظ بن حجر في فتح الباري 4/ 54.
ونقل الحافظ عن ابن رشيد قال: وافق البخاري في هذه المسألة الحنفية مع كثرة مخالفته لهم لكن قاده إلى ذلك الدليل. وفعل معاذ مع إقرار النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك يدل على جوازه ومشروعيته.
ثالثا:
إن النبي صلى الله عليه وسلم غاير بين القدر الواجب من الأعيان المنصوص عليها مع تساويها في كفاية الحاجة فجعل من التمر والشعير صاعا ومن البر نصف صاع وذلك لكونه أكثر ثمنا في عصره فدل على أنه عليه الصلاة والسلام اعتبر القيمة. ورواية نصف الصاع من البر ثبتت عن الرسول صلى الله عليه وسلم من طرق كثيرة ولا يسلم ضعفها كما قال بعض المحدثين.
رابعا:
إن المقصود من صدقة الفطر إغناء الفقراء وسد حاجتهم وهذا المقصود يتحقق بالنقود أكثر من تحققه بالأعيان وخاصة في زماننا هذا لأن نفع النقود للفقراء أكثر بكثير من نفع القمح أو الأرز لهم ولأن الفقير يستطيع بالمال أن يقضي حاجاته وحاجات أولاده وأسرته ومن المشاهد في بعض بلاد المسلمين أن الفقراء يبيعون الأعيان (القمح والأرز) إلى التجار بأبخس الأثمان نظرا لحاجتهم إلى النقود.
مقدار زكاة الفطر
اتفق الفقهاء على أن الواجب إخراجه في الفطرة صاع من جميع الأصناف التي يجوز إخراج الفطرة منها عدا القمح، فقد اختلفوا في المقدار فيه إلى قولين:
القول الأول: ذهب إليه الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة، أن الواجب إخراجه في القمح هو صاع منه.
واستدلوا على وجوب صاع من بر بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال: “كنا نخرج زكاة الفطر إذ كان فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعا من طعام، أو صاعا من تمر، أو صاعا من شعير، أو صاعا من زبيب، أو صاعا من أقط، فلا أزال أخرجه كما كنت أخرجه ما عشت.
القول الثاني: وإليه ذهب الحنفية، أن الواجب إخراجه من القمح نصف صاع، وكذا دقيق القمح.
والصاع المقصود هو صاع أهل المدينة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل ضابط ما يكال مكيال أهل المدينة؛ كما في حديث ابنِ عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((المكيال على مكيال أهل المدينة، والوزن على وزن أهل مكة)والصاع مِن المكيال، فوجب أن يكون بصاع أهل المدينة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم.
والمكيال يختلف باختلاف ما يملأ به الصاع، فعند إخراجه لا بد من التأكد أنه يعادل ملء الصاع من النوع المخرج منه.
والصاع النبوي أربعة أمداد بكفي الرجل المعتدل – أي: أربع حفنات – غير قابضهما ولا باسطهما، وبالوزن فهو كما يلي:
1- القمح الوزن 2200 الوزن جرام تقريبا
2- الشعير الوزن 2100 الوزن جرام تقريبا
3- الدقيق الوزن 2075 الوزن جرام تقريبا
4- أرز الوزن 2675 الوزن جرام تقريبا
5- التمر 1800 الوزن جرام تقريبا
6- الزبيب الوزن 2425 جرام تقريبا
تعيين زكاة الفطر
اختلف فيه الفقهاء على ثلاثة أقوال:
القول الأول:
وإليه ذهب المالكية والشافعية أن الواجب عليه هو غالب قوت البلد، أو قوت المكلف إذا لم يقدر على قوت البلد.
القول الثاني:
وإليه ذهب الحنابلة: أن الواجب عليه يتعين في أحد الأصناف الواردة في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: “كنا نخرج إذ كان فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر عن كل صغير وكبير، حر أو مملوك – صاعا من طعام، أو صاعا مِن أقط، أو صاعا من شعير، أو صاعا من تمر، أو صاعا من زبيب، فلم نزل نخرجه حتى قدِم علينا معاوية بن أبي سفيان حاجا أو معتمرا المدينة، فكلم الناس على المنبر، فكان فيما كلم به الناس.
أن قال: إني لأرى أن مدين من سمراء الشام تعدل صاعا من تمر، قال: فأخذ الناس بذلك”، قال أبو سعيد: “فأما أنا، فلا أزال أُخرجه كما كنت أخرجه أبدا ما عشت، فهذه الأنواع هي الحنطة والشعير، والتمر، والأقط، والزبيب، فإذا عدمت هذه الأصناف، فإنه يجزئه كل مقتات من الحبوب والثمار.
القول الثالث:
وإليه ذهبت الحنفية: أن الواجب في زكاة الفطر هو البر والشعير والتمر، فهذه الأنواع الثلاثة تعتبر عندهم أصولا لغيرها؛ ولذلك فإنه إذا كان المخرج مِن الأجناس الأخرى، فإن الاعتبار فيها بالقيمة؛ حيث تقوم هذه الثلاثة، ثم يشتري بقيمة المقوم منها الجنس المراد إخراجه؛ لأن الاعتبار بالمنصوص عليه لما ليس فيه نص.
وكما قلنا سابقا جوز الحنفية إخراج القيمة من النقود في زكاة الفطر، وهي عندهم أفضل من إخراج العين؛ لكون الفقير يستطيع أن يشتري بها أي شيء يريد في يوم العيد، غير أن الجمهور لم يروا جواز دفع القيمة؛ لعدم النص عليها وأوضحنا أن رأيهم هو الراجح.
انتهينا : زكاة الفطر بين القيمة والإطعام عند المذاهب الأربعة
إقرأ أيضا: